مولد ابو القاسم : ولد أبو القاسم الشابي في يوم الأربعاء في الرابع والعشرين من فيفري عام 1909م الموافق الثالث من شهر صفر سنة 1327 هـ وذلك في مدينة توزر في تونس. قضى الشيخ محمد الشابي حياته المسلكية في القضاء بمختلف المدن التونسية حيث تمتع الشابي بجمالها الطبيعي الخلاب، ففي سنة 1328 هـ 1910م عين قاضيا في سليانة ثم في قفصة في العام التالي ثم في قابس 1332هـ 1914م ثم في جبال تالة 1335 هـ 1917م ثم في مجاز الباب 1337 هـ 1918م ثم في رأس الجبل 1343هـ 1924م ثم انه نقل إلى بلدة زغوان 1345 هـ 1927م ومن المنتظر أن يكون الشيخ محمد نقل أسرته معه وفيها ابنه البكر أبو القاسم وهو يتنقل بين هذه البلدان، ويبدو أن الشابي الكبير قد بقي في زغوان إلى صفر من سنة 1348هـ – أو آخر تموز 1929 حينما مرض مرضه الأخير ورغب في العودة إلى توزر، ولم يعش الشيخ محمد الشابي طويلاً بعد رجوعه إلى توزر فقد توفي في الثامن من أيلول –سبتمبر 1929 الموافق للثالث من ربيع الثاني 1348 هـ. نشأ أبو القاسم الشابي في أسرة دينية فقد تربى على يدي أبوه وتلقن روح الصوفية الصحيحة التي كانت سائدة في المغرب العربي، وسددتها دراسته الدينية، وساعده مكوثه في مدينة تونس لدراسة الحقوق أن ينضم للنادي الأدبي وأخذت مواهبه الأدبية تبرز وتعبر عن نفسها في قصائد ومقالات ومحاصرات، أعلن فيها عن نفسه وهو دون العشرين. ونلمح في عجالة لتجربته الكبرى التي باءت بالفشل لأن طائر الموت اختطف حبيبته وأعقبه بفترة أن أختطف أبوه مثله الأعلى ومربيه ومثقفه.
وفي غرة شهر فبراير 1929 القى محاضرة مشهورة في قاعة الخلدونيّة بتونس عن "الخيال الشعري عند العرب"، وقد عمل فيها على استعراض كلّ ما أنتجه العرب من الشّعر، في مختلف الأزمنة وفي كل البلدان، من القرن الخامس إلى القرن العشرين ومن الجزيرة إلى الأندلس، وحمل فيها النفس العربية كل الذنوب في تأخرنا عن مواكبة حضارة العصر; فنادى بتحرير الشعر العربي من كل رواسم القديم والاقتداء بأعلام الغرب في الفكر والخيال وأشكال التعبير.
وقسا بالأحكام والنقد حتى صدمت محاضرته عقول المحافظين من رجال الثقافة والسياسة فجعلوا يعرضون به في المجالس، وأثارت في تونس أولاً ثم بالمشرق العربي بعد ذلك سلسلة من ردود الفعل العنيفة ضد مؤلفها.
بدأت نفسه تضيق بحدود البيئة، فاتخذ من مجلة "أبولو" بالقاهرة منبرًا، ونشر فيها عددًا من قصائده الكبار، جعلت رئيس تحريرها الشاعر أحمد زكي أبو شادي يطلب من شاعرنا الشاب أن يكتب مقدمة ديوانه "الينبوع". ثم عكف الشابّي على إعداد ديوانه "أغاني الحياة" للنشر في القاهرة برعاية "أبولّو"، إلا أنّ الموت عاجله.
وبدأ الشابي أول يناير 1930 كتابة "مذكراته" ولكنه توقّف للأسف عن كتابة المذكرات في شهر فبراير من السنة نفسها. وذكر في مذكرة 13 يناير أنه عليه أن يلقي محاضرة عن الأدب العربي. وذهب صحبة بعض أصدقائه إلى الموعد ولكنه وجد القاعة فارغة، فلم يعد أحد يرغب في الاستماع إليه بعد محاضرته السابقة عن "الخيال". وقد أثر فيه مشهد القاعة فارغة تأثيرا عميقا، فنظم في نفس ذلك اليوم قصيدته الشهيرة : "النبي المجهول" يقول فيها:
أيْها الشعبُ! ليتني كنتُ حطَّابا ًفأهوي على الجذوعِ بفأسي!
ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا ما سال َتتهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ!
ليتَني كنتُ كالريّاح، فأطوي ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس
ليتني كنتُ كالسّتاء، أُغَشِّي كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي!
ليتَ لي قوَّة َ العواصفِ، يا شعبي فأُلقي إليكَ ثَوْرة َ نفسي!
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ! إن ضجَّت ْفأدعوكَ للحياة ِ بنبسي!
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ..! لكْأنتَ حيٌّ، يقضي الحياة برمسِ..!
أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكره النّور،وتقضي الدهور في ليل مَلْس...
وأتمّ في تلك السّنة نفسها دراسته في مدرسة الحقوق التونسية، وكان وقتها مريضا، وذكر أخاه الأمين أن عوارض المرض الأولى ظهرت عليه سنة 1929 وظل مرضه غير معروف على وجه الدقة، ولم يسع إلى الإقبال على عمل، بسبب مشاغله العائلية ومرضه أو بسبب تصوره دور الشاعر أو لكل هذه الأسباب مجتمعة. قصائد لابو القاسم الشابي: سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ وما أن تجاوزتُ فجرَ الشَّبابْ
سَئِمتُ اللَّيالي، وَأَوجَاعَها وما شَعْشَعتْ مَنْ رَحيقِ بصابْ
فَحَطّمتُ كَأسي، وَأَلقَيتُها بِوَادي الأَسى وَجَحِيمِ العَذَابْ
فأنَّت، وقد غمرتها الدموعُ وَقَرّتْ، وَقَدْ فَاضَ مِنْهَا الحَبَابْ
وَأَلقى عَلَيها الأَسَى ثَوْبَهُ وَأقبرَها الصَّمْتُ والإكْتِئَابْ
فَأَينَ الأَمَانِي وَأَلْحَانُها؟ وأَينَ الكؤوسُ؟ وَأَينَ الشَّرابْ
لَقَدْ سَحَقَتْها أكفُّ الظَّلاَمِ وَقَدْ رَشَفَتْها شِفَاهُ السَّرابْ
فَمَا العَيْشُ فِي حَوْمة ٍ بَأْسُهَا شديدٌ، وصدَّاحُها لا يُجابْ
كئيبٌ، وحيدٌ بآلامِه وأَحْلامِهِ، شَدْوُهُ الانْتحَابْ
ذَوَتْ في الرَّبيعِ أَزَاهِيرُهَا فنِمْنَ، وقَد مصَّهُنَّ التّرابْ
لَوينَ النَّحورَ على ذِلَّة ٍ ومُتنَ، وأَحلامَهنَّ العِذابْ
فَحَالَ الجَمَالُ، وَغَاضَ العبيرُ وأذوى الرَّدى سِحرَهُنَّ العُجابْ
قصائده : نشيد الجبار ( هكذا غنّى بروميثيوس )
أيُّها الحُبُّ أنْتَ سِرُّ بَلاَئِي
سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ
أَلا إنَّ أَحْلاَمَ الشَّبَابِ ضَئِيلَة ٌ
في اللّيل نَادَيتُ الكَوَاكِبَ ساخطاً
فلسفة الثعبان المقدس
إني ارى َ..، فَأرَى جُمُوعاً جَمَّة ً
أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ
ضحِكْنا على الماضي البعيدِ، وفي غدٍ
لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ،
يا عذارى الجمال، والحبِّ، والأحلامِ،
يا عذارى الجمالِ، والحبِ، والأحلام،
كلُّ ما هبَّ، وما دبَّ، وما
ليتَ لي أن أعيشَ هذهِ الدنيّا
في جِبال لهمومِ، أننبتَّ أغصاني،
لقراءة هذه القصائد زوروا هذا الرابط: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]
وفي غرة شهر فبراير 1929 القى محاضرة مشهورة في قاعة الخلدونيّة بتونس عن "الخيال الشعري عند العرب"، وقد عمل فيها على استعراض كلّ ما أنتجه العرب من الشّعر، في مختلف الأزمنة وفي كل البلدان، من القرن الخامس إلى القرن العشرين ومن الجزيرة إلى الأندلس، وحمل فيها النفس العربية كل الذنوب في تأخرنا عن مواكبة حضارة العصر; فنادى بتحرير الشعر العربي من كل رواسم القديم والاقتداء بأعلام الغرب في الفكر والخيال وأشكال التعبير.
وقسا بالأحكام والنقد حتى صدمت محاضرته عقول المحافظين من رجال الثقافة والسياسة فجعلوا يعرضون به في المجالس، وأثارت في تونس أولاً ثم بالمشرق العربي بعد ذلك سلسلة من ردود الفعل العنيفة ضد مؤلفها.
بدأت نفسه تضيق بحدود البيئة، فاتخذ من مجلة "أبولو" بالقاهرة منبرًا، ونشر فيها عددًا من قصائده الكبار، جعلت رئيس تحريرها الشاعر أحمد زكي أبو شادي يطلب من شاعرنا الشاب أن يكتب مقدمة ديوانه "الينبوع". ثم عكف الشابّي على إعداد ديوانه "أغاني الحياة" للنشر في القاهرة برعاية "أبولّو"، إلا أنّ الموت عاجله.
وبدأ الشابي أول يناير 1930 كتابة "مذكراته" ولكنه توقّف للأسف عن كتابة المذكرات في شهر فبراير من السنة نفسها. وذكر في مذكرة 13 يناير أنه عليه أن يلقي محاضرة عن الأدب العربي. وذهب صحبة بعض أصدقائه إلى الموعد ولكنه وجد القاعة فارغة، فلم يعد أحد يرغب في الاستماع إليه بعد محاضرته السابقة عن "الخيال". وقد أثر فيه مشهد القاعة فارغة تأثيرا عميقا، فنظم في نفس ذلك اليوم قصيدته الشهيرة : "النبي المجهول" يقول فيها:
أيْها الشعبُ! ليتني كنتُ حطَّابا ًفأهوي على الجذوعِ بفأسي!
ليتَني كنتُ كالسيّولِ، إذا ما سال َتتهدُّ القبورَ: رمْساً برمٍسِ!
ليتَني كنتُ كالريّاح، فأطوي ورودُ الرَّبيع مِنْ كلِّ قنْس
ليتني كنتُ كالسّتاء، أُغَشِّي كل ما أَذْبَلَ الخريفُ بقرسي!
ليتَ لي قوَّة َ العواصفِ، يا شعبي فأُلقي إليكَ ثَوْرة َ نفسي!
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ! إن ضجَّت ْفأدعوكَ للحياة ِ بنبسي!
ليت لي قوة َ الأعاصيرِ..! لكْأنتَ حيٌّ، يقضي الحياة برمسِ..!
أنتَ روحٌ غَبِيَّة ٌ، تكره النّور،وتقضي الدهور في ليل مَلْس...
وأتمّ في تلك السّنة نفسها دراسته في مدرسة الحقوق التونسية، وكان وقتها مريضا، وذكر أخاه الأمين أن عوارض المرض الأولى ظهرت عليه سنة 1929 وظل مرضه غير معروف على وجه الدقة، ولم يسع إلى الإقبال على عمل، بسبب مشاغله العائلية ومرضه أو بسبب تصوره دور الشاعر أو لكل هذه الأسباب مجتمعة. قصائد لابو القاسم الشابي: سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ وما أن تجاوزتُ فجرَ الشَّبابْ
سَئِمتُ اللَّيالي، وَأَوجَاعَها وما شَعْشَعتْ مَنْ رَحيقِ بصابْ
فَحَطّمتُ كَأسي، وَأَلقَيتُها بِوَادي الأَسى وَجَحِيمِ العَذَابْ
فأنَّت، وقد غمرتها الدموعُ وَقَرّتْ، وَقَدْ فَاضَ مِنْهَا الحَبَابْ
وَأَلقى عَلَيها الأَسَى ثَوْبَهُ وَأقبرَها الصَّمْتُ والإكْتِئَابْ
فَأَينَ الأَمَانِي وَأَلْحَانُها؟ وأَينَ الكؤوسُ؟ وَأَينَ الشَّرابْ
لَقَدْ سَحَقَتْها أكفُّ الظَّلاَمِ وَقَدْ رَشَفَتْها شِفَاهُ السَّرابْ
فَمَا العَيْشُ فِي حَوْمة ٍ بَأْسُهَا شديدٌ، وصدَّاحُها لا يُجابْ
كئيبٌ، وحيدٌ بآلامِه وأَحْلامِهِ، شَدْوُهُ الانْتحَابْ
ذَوَتْ في الرَّبيعِ أَزَاهِيرُهَا فنِمْنَ، وقَد مصَّهُنَّ التّرابْ
لَوينَ النَّحورَ على ذِلَّة ٍ ومُتنَ، وأَحلامَهنَّ العِذابْ
فَحَالَ الجَمَالُ، وَغَاضَ العبيرُ وأذوى الرَّدى سِحرَهُنَّ العُجابْ
قصائده : نشيد الجبار ( هكذا غنّى بروميثيوس )
أيُّها الحُبُّ أنْتَ سِرُّ بَلاَئِي
سَئِمْتُ الحياة َ، وما في الحياة ِ
أَلا إنَّ أَحْلاَمَ الشَّبَابِ ضَئِيلَة ٌ
في اللّيل نَادَيتُ الكَوَاكِبَ ساخطاً
فلسفة الثعبان المقدس
إني ارى َ..، فَأرَى جُمُوعاً جَمَّة ً
أيُّها الليلُ! يا أَبَا البؤسِ والهَوْ
ضحِكْنا على الماضي البعيدِ، وفي غدٍ
لَسْتُ أبْكي لِعَسْفِ لَيْلٍ طَويلٍ،
يا عذارى الجمال، والحبِّ، والأحلامِ،
يا عذارى الجمالِ، والحبِ، والأحلام،
كلُّ ما هبَّ، وما دبَّ، وما
ليتَ لي أن أعيشَ هذهِ الدنيّا
في جِبال لهمومِ، أننبتَّ أغصاني،
لقراءة هذه القصائد زوروا هذا الرابط: [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذا الرابط] [ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]